سوريا في عهد ترامب- تحولات السياسة الأمريكية وتحديات إسرائيل

المؤلف: محمود علوش09.01.2025
سوريا في عهد ترامب- تحولات السياسة الأمريكية وتحديات إسرائيل

اتخذت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطوة جريئة نحو تخفيف وطأة العقوبات المفروضة على سوريا، وذلك في سياق سعيها لترسيخ دعائم الاستقرار لحكم الرئيس أحمد الشرع. تهدف هذه الخطوة إلى استثمار الفرص السانحة التي تلوح في الأفق في "سوريا الجديدة"، بهدف إحداث نقلة نوعية في العلاقات مع دمشق، وإعادة رسم دورها المحوري في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.

لكن، ومما يثير الاستغراب في السياسة الأميركية الراهنة تجاه سوريا، التباين الجلي بينها وبين السياسة الإسرائيلية. يظهر هذا التضارب في صورة مؤشرات متباينة؛ فمن ناحية، يتعارض توجه ترامب مع الرؤية الإسرائيلية التي لطالما اعتبرت الحكم الجديد في سوريا خطرًا استراتيجيًا، وتبنت تصورات قائمة على إضعاف سوريا وتقسيمها إلى كانتونات طائفية متناحرة. ومن ناحية أخرى، تبدي إدارة ترامب اهتمامًا بالغًا بالمصالح الإسرائيلية، وترى في التحول السوري فرصة ثمينة لإرساء دعائم علاقات طبيعية بين سوريا وإسرائيل في المستقبل المنظور.

الأمر لا يقتصر على الاختلاف في النظرة إلى حكم الرئيس أحمد الشرع؛ ففي حين تحرص إدارة ترامب على تعزيز الدور التركي والسعودي في سوريا، تنظر إسرائيل إلى الوجود التركي بعين الريبة، باعتباره تهديدًا جيوسياسيًا يمس أمنها القومي.

هذا التعارض، الذي يندر وقوعه بين حليفين وثيقين في السياسة الأميركية الشرق أوسطية، يزداد وضوحًا عند التدقيق في الدوافع المتشعبة التي تشكل نهج ترامب. يمكن إجمال هذه الدوافع في أربعة مرتكزات رئيسية:

  • أولًا، يمثل التحول السوري فرصة تاريخية للولايات المتحدة لتحويل سوريا إلى حليف استراتيجي جديد في قلب الشرق الأوسط، وذلك بعد عقود من اصطفافها في المعسكر المعادي لها.

هذا التحول من شأنه أن يعيد تعريف النفوذ الأميركي في الخريطة الجيوسياسية الإقليمية، وأن يشكل نقطة انطلاق للتأثير على دول الجوار، مثل لبنان والعراق. من هذا المنطلق، يُنظر إلى الموقف الإسرائيلي، الذي يسعى إلى إبقاء سوريا في حالة من الفوضى والاضطراب، باعتباره تهديدًا وجوديًا لهذه الفرصة الذهبية.

  • ثانيًا، يندرج اهتمام الرئيس دونالد ترامب بتعزيز الدور الإقليمي لدول المنطقة، وفي طليعتها تركيا والمملكة العربية السعودية، في سوريا، ضمن سعي الولايات المتحدة لتقليص تدخلها المباشر في الشرق الأوسط، وتمكين القوى الحليفة من إدارة شؤون المنطقة بقدر أكبر من الاستقلالية والاعتماد على الذات.

بالتالي، فإن انضمام سوريا إلى كتلة الدول الحليفة لأميركا في المنطقة من شأنه أن يعزز قوة النظام الإقليمي الجديد الذي تتوق إليه واشنطن. بناءً عليه، فإن النهج الإسرائيلي في سوريا لا يدعم تشكيل هذا النظام الإقليمي المنشود، بل يضيف أعباءً جديدة على سياسة ترامب في الشرق الأوسط.

  • ثالثًا، ترى الولايات المتحدة أن انخراطها القوي في سوريا والانفتاح على حكم الرئيس أحمد الشرع يحدان من المخاطر المترتبة على انهيار الاستقرار الهش الذي يسود البلاد منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد.

إن سيناريو انهيار الاستقرار قد يفضي إلى عواقب وخيمة، مثل اندلاع حرب أهلية طاحنة توفر بيئة مثالية لعودة تنظيم الدولة المتطرف، مما يعقد هدف ترامب المعلن بالانسحاب العسكري من المنطقة، فضلًا عن احتمال عودة روسيا وإيران إلى سوريا، وتصاعد التوتر الجيوسياسي بين تركيا وإسرائيل إلى صراع عسكري مفتوح. من هذا المنظور، فإن النهج الإسرائيلي يزيد من حدة هذه المخاطر بدلًا من التخفيف من وطأتها.

  • رابعًا، يعتبر ترامب، الذي يولي اهتمامًا بالغًا في ولايته الثانية لتوسيع رقعة اتفاقيات السلام بين دول المنطقة وإسرائيل، أن استقطاب سوريا إلى المعسكر الأميركي في المنطقة يتيح فرصة تاريخية لتطبيع العلاقات السورية-الإسرائيلية على المدى البعيد.

ويمثل تحقيق هذا الهدف مكسبًا استراتيجيًا كبيرًا لإسرائيل. انطلاقًا من ذلك، فإن محاولات إسرائيل لزعزعة استقرار الحكم الجديد ستؤدي حتمًا إلى نتائج عكسية وخيمة.

تتجلى ثلاثة مؤشرات واضحة تدل على حدوث تحول تدريجي في النهج الإسرائيلي، وذلك كنتيجة مباشرة لسياسة ترامب:

  • تراجع ملحوظ في وتيرة النشاط العسكري الإسرائيلي في سوريا في الآونة الأخيرة، مقارنة بالفترة التي أعقبت الإطاحة بنظام الأسد.
  • تغير ملحوظ في النبرة الإسرائيلية تجاه الحكم الجديد، وذلك بعد بدء محادثات غير مباشرة معه.
  • انخراط إسرائيل في حوار بناء مع تركيا، بهدف تهدئة التوترات في سوريا والتوصل إلى تفاهمات مشتركة لإدارة الأزمة.

ومع ذلك، فإن استقرار السياسة الإسرائيلية في سوريا على مسار واضح المعالم يظل رهنًا بمجموعة من العوامل الحاسمة، وفي مقدمتها تطور العلاقات الأميركية السورية.

ويمكن اعتبار الفترة الزمنية التي حددتها واشنطن لرفع العقوبات عن سوريا، ومدتها ستة أشهر، بمثابة اختبار حقيقي للرئيس أحمد الشرع، وتمهيد الطريق لعلاقات جديدة، وفي الوقت نفسه، فرصة للتوصل إلى تفاهمات جلية تعالج التهديد الذي تمثله إسرائيل لسوريا.

وعلى الرغم من أن هدف الرئيس دونالد ترامب بتحقيق تطبيع سوري-إسرائيلي يبدو بعيد المنال في المستقبل القريب، فإن السياق الجديد لسوريا والانخراط الأميركي الفاعل فيها يعملان حاليًا على تجميد التحدي الإسرائيلي لسوريا، بما يعزز من قدرة الرئيس أحمد الشرع على التركيز على التحديات الداخلية، والاستفادة القصوى من رفع العقوبات للشروع في عملية الإنعاش الاقتصادي الضرورية لتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي والمجتمعي المنشود.

كما يوفر الانخراط الأميركي فرصة سانحة لتركيا وإسرائيل للاتفاق على آليات عمل مشتركة تتجاوز مجرد الحد من مخاطر التصعيد، بل تتعداها إلى التعاون المثمر في سوريا. هذا ما يطمح إليه ترامب، الذي يسعى إلى جعل سوريا ساحة لنظام إقليمي جديد يحافظ على النفوذ الأميركي في المنطقة، مع تقليص تدخلها المباشر فيها في الوقت ذاته.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة